الخميس، 17 نوفمبر 2011

حادثة النهدين ودراما الواقع الصحي اليمني












حادثة النهدين أو تفجير الرئاسة وما ترتب عليها من إسعاف علي صالح وأركان نظامه إلى السعودية للعلاج أثارت الكثير من علامات التعجب والاستغراب بل السخرية من ذلك الرئيس الذي ينسب لنفسه المعجزات والمنجزات بل ويسمي نفسه باني اليمن الحديث وصانع نهضتها ولا ندري أي حداثة وأي نهضة وقد عجز أن يجد لنفسه ولحاشيته مشفى للعلاج أو مركزا للحروق يليق بمقامهم الرفيع ويعتني بصحتهم الغالية وليعيد لجلودهم الرقيقة شيئا من النظارة والنعومة التي أنفقوا من أجلها المليارات من الدولارات من أموال أصحاب الجلود الباهتة التي جفت تحت شمس الشقاء والكد وتشققت عرقا وأرقا.

من وجهة نظري لم يحدث الجديد أو المستغرب فعشرات المتنفذين والمقربين يسافرون يوميا على نفقة الدولة لعلاج الزكام أو الملاريا حتى النقاهة أو الاستجمام في مشافي ألمانيا وبريطانيا أو حتى الأردن ومصر للمتواضعين منهم.

الجديد في الأمر الذي أخرج هذا الغثاء إلى السطح هو أن حادثة الرئاسة أحيطت بقدر كبير من الاهتمام الإعلامي لما لها من أهميه سياسية فكشفت للقاصي والداني سوء و فساد الواقع الصحي في اليمن ليفاجأ العالم بدولة بأكمل طاقمها تنقل على طائرة إسعاف (لا نملكها) إلى دولة جارة( من دول العالم الثالث لا تبعد عنا أكثر من ساعتين بالطائرة) وذلك لتلقي الإسعافات الأولية والعلاج المناسب .

لسان حال كل يمني يقول يا أسفاه ويا عيباه .... لماذا لم تتوجه يا صالح إلى مركز الحروق البائس واليتيم في المستشفى الجمهوري الذي تنفق عليه جمعية خيرية سعودية تدفع رشا للقائمين علي المستشفى لتمكينها من معالجة الفقراء ... أليس هذا من منجزاتك العملاقة يا صانع المعجزات؟!!

لقد أبكيت الجميع يا صالح .. بعضنا أسفا وحرقة على واقعنا الصحي المخزي ... والبعض منهم بكى تأثرا وامتنانا لإحسان هذا الجار الكريم الذي لم يملكوا أن يقدموا له سوى رفع الصور في السبعين وتقبيلها رغم حرقتهم على اخوانهم التائهين في الحدود او الصحراء السعودية ,او ما يعرف بالمجهولين المطاردين في المدن السعودية , او مراكز الاعتقال التي لا تليق بالحيوانات او المرحلين المطرودين.

أكثر من ثلاثة عقود مضت وعلي صالح صاحب المنجزات ينفق على مشافي ألمانيا والأردن ما كان كفيلا بإنشاء أكبر المراكز الصحية تطورا وحداثة في هذا البلد العليل. هو لا شك يعي هذه الحقيقة المرة جيدا بل ويدرك حجم المبالغ المهدورة في هذا الجانب من فساده المالي ولكنه بحكمته ودهائه أراد أن يجعل من الخدمة الصحية الراقية حكرا على النخب الاجتماعية والسياسية ليتحول الحق في لعلاج إلى هبة من محسن كريم , الأمر الذي يجعل الكثير من مواليه أو حتى معارضيه عبيدا لهذا الإحسان مدينين لجميله الكبير الذي يثقل كاهلهم ويحني هاماتهم أمام المحسن الرحيم الذي لم يبخل عليهم بأموال الشعب عندما عانوا من ضعف المرض وخوف الموت فأصبحوا في أمس الحاجة لشفقة الرئيس ورعايته , فما أمسوا إلا وقد توجب عليهم رعاية الجميل بالسمع والطاعة والولاء (فالوفاء لا يقابل إلا بالوفاء) هذا هو شعار الابتزاز السياسي الذي ردده صالح وإعلامه في كل حملاته الانتخابية وأزماته السياسية واستخدمه للمساومة حتى في تقديم ابسط أشكال البنية التحتية لمنطقة ما أو قبيلة ما. بل وتكرر حديثا في مواجهة ثورة الشعب السلمية فما انفك صالح باتهام كل من عارضه بالتنكر للجميل وعض اليد الرحيمة التي أطعمتهم و عالجتهم من أموال الشعب!!!

لقد مارس صالح سياسة الابتزاز بالعلاج في الخارج مع أغلبية القيادات السياسية والاجتماعية والعسكرية بل امتدت يد الرحمة لتشمل الإعلاميين والمثقفين والأدباء الذي يتطلب منهم الحمد والشكر على العافية المهداة بتسبيح رب العرش وقراءة اية الكرسي.

هذه السياسة هي التي تعمدت إهمال المرافق الصحية في اليمن بل وتدميرها, فالمتتبع للمنجزات الصحية في اليمن لا يجد شيء ذي أهمية قد استحدث في عهد علي صالح فكل المستشفيات الكبرى في صنعاء وبعض عواصم المحافظات لم يستحدث إلى جانبها شيء على الرغم من تضاعف عدد سكان اليمن منذ عام 1978 , مما يعني تناقص الخدمة الطبية الثانوية الى النصف.

الأدهى والأمر أن منجزاته الصحية تمثل كارثة ووجه بشع من أوجه العبث المالي والفساد في القطاع الصحي والمتمثل في تهجير وتطفيش الكفاءات المؤهلة الى دول الجوار. أو إنشاء مستشفيات مثل مستشفى 48 والمستشفى الرئاسي المعروف( بالعرضي) والتي لم توفر لصاحبها فرصة العلاج (بكرامة) داخل الوطن.

أما المستشفى الرئاسي المحاط بأسوار وزارة الدفاع ولا يحلم برؤيته عامة الشعب لا يعدو أكثر من محطة ترانزيت لعائلة صالح وحاشيته للتحضير للعلاج في الخارج.

الانجاز الأخر هو مستشفى 48 أو مستشفى (أحمد علي) كما يسميه البعض والذي تصل فيه تكلفة السرير إلى أضعاف تكلفته في مستشفى مرجعي مثل مستشفى الثورة. هذا المستشفى تهدر فيه الأموال بشكل عبثي ليتحول إلى مجرد بروباجاندا استعراضيه لتجميل وجه ولي العهد الذي سيصلح ما أفسده أبوه. هذه الرسالة موجهة إلى البسطاء من عسكر قواته الخاصة لتكوين قناعات قائمة على المقارنة بين إهمال الأب وفساده ومنجزات الابن وإصلاحاته.

فساد العلاج في الخارج للمقربين والمتنفذين حديث ذو شجون لكثرة المفارقات الدرامية الهزلية المؤلمة . فعلي سبيل المثال تتباهى إحدى نساء الحاشية بتلقيح أولادها في دبي لعدم الثقة في لقاحات اليمن بينما لقح اطفال ريمه قبل سنوات بالأنسولين ليموت العشرات منهم دون أن يهتز للحاكم وزبانيته أي شعره , وفي الوقت الذي يموت فيه العشرات من الأطفال المرضى بتشوهات القلب وامراض السرطان أمام أعين ذويهم وهم في انتظار الفريق الطبي الخيري الشقيق أو الصديق, فليس أمام أبائهم و أمهاتهم من خيارات أمام معاناة فلذة كبدهم سوى انتظار ( الفريق ) أو انتظار( الموت ) أو انتظار من يشتري البيت (إذا كان لديهم بيت). ذلك لأن دولة المنجزات عجزت عن توفير جراح قلب أطفال او الاهتمام بمرضى السرطان بحجة عجز الميزانية التي لم تعجز عن توفير أطباء أجانب يتقاضون مرتبات تزيد عن العشرين ألف يورو للاطمئنان على قلب الرئيس أو لعمل مساج لعضلاته.

كما أن الميزانية لم تعجز عن تسفير أسر بأكملها من المقربين بغرض (المفاقدة) على حد قولهم وذلك للاطمئنان وعلاج أي علة قد تكتشف لا سمح الله.

بعيدا عن هذه المفارقات والشجون فإن الأرقام والإحصائيات تثبت أن ما أنفقته وزارة الدفاع على العلاج في الأردن يكفي لإنشاء مستشفى عسكري بحجم وإمكانات مستشفيات الحرس الوطني في السعودية والتي نقل اليها الرئيس وحاشيته للعلاج!!! ففي احدى السنوات السابقه اغلقت نصف صنعاء عند زيارة الأمير سلطان للمستشفى العسكري ليتبرع بمليون دولار بينما دفعت وزارة الدفاع اكثر من اثني عشر مليون دولار للمستشفيات الأردنية.

ولكنها كما ذكرنا سياسة فساد وإفساد يستفيد منها صانعيها لابتزاز الو لاءات وكذلك السمسرة المالية للقائمين على التنفيذ ولكل امرئ منهم ما نوى.

ويكفينا فخرا كمواطنين يمنيين أن طيارة اليمنية الواصلة إلى القاهرة أو عمان تسمى تندرا ( طيارة الإسعاف)!!!

ولا عجب يا أمة ضحكت من مرضها الأمم....

هناك تعليق واحد:

  1. د مجيب الرحمن20 نوفمبر 2011 في 4:37 م

    كلام جميل يا دكتور شكري
    بارك الله فيك
    اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه
    وأرنا الباطل باطلا وارزقنا إجتنابه

    ردحذف